

د. إقبال العثيمين
06/04/2021
الغش.. وطريق تدمير الذات والمجتمع
شاركت هذا الفصل، وللمرة الأولى، في التعليم عن بعد. واليوم انتهيت من رصد درجات مقرراتي، التي تم عقدها عن بعد بشكل كامل؛ لضرورة فرضتها علينا ظروف جائحة كورونا. لاحظت من خلال التعليم عن بعد أن الطلاب أكثر ميلا للغش عبر الإنترنت منه على المستوى الشخصي. وأن الانتشار الواسع لهذه الظاهرة التربوية المشينة قد اكتسب شرعية؛ إذ إن غالبية الطلبة لا يشعرون بالإثم مما يقترفونه، بل يؤكدون في مجالسهم أنه لولا «الغش» لما كان باستطاعتهم تحقيق النجاح!
يوصف «الغش» بأنه مجموعة متنوعة من الممارسات غير الأخلاقية. هو سلوك يهدف إلى تزييف الواقع لتحقيق كسب غير مشروع، مادي أو معنوي أو إرضاء لحاجة نفسية. والغش المدرسي هو تزييف لنتائج التقويم. ولا يخفى علينا نحن معشر المعلمين، أن «الغش» قد أصبح مسؤولا عن الفقدان الجذري للثقة بين الطالب وأساتذته وزملائه ومحيطه التربوي.
لا تقتصر مشكلة الغش المتفاقمة على طلابنا، إنما هي ظاهرة معولمة، وظهرت على السطح مع ظهور الدراسة عن بعد بسبب الجائحة. في دراسة حكومية أجريت في الصين، اعترف 2000 عالم بفقدان الأمانة الأكاديمية، الذي تعاني منه الجامعات في الصين، نظرًا للطرق العديدة التي يمكن للطلاب من خلالها الغش باستخدام التكنولوجيا المتقدمة وزيادة التقبل الأخلاقي للغش. الغش والانتحال أصبحا أكثر شيوعًا عبر الإنترنت منه في الفصول الدراسية الفعلية.
وما حادثة الغش التى تحدثت عنها «الواشنطن بوست» في عددها السابع من أغسطس الماضي إلا دليل واضح على أن الغش الأكاديمي بازدياد مع وجود التعليم عن بعد. فلقد تبين أن أحد الأشخاص الذين سجلوا لدخول اختبار في مقرر الكيمياء التمهيدي للطب في جامعة معروفة لم يكن طالبًا على الإطلاق. وذلك عندما اكتشفه المراقبون عن بعد وباستخدام كاميرات الويب الخاصة بهم، فاكتشفوا من خلال مراجعة تسجيلات الفيديو أن هذا الشخص نفسه قد أجرى اختبارات لما لا يقل عن عشرة طلاب مسجلين في سبع جامعات في جميع أنحاء أميركا. والمفارقة أن «الدوبلير» كان وقت الامتحان موجودا في دولة خليجية بعيدًا عن متناول أي محاولات لمحاسبته، وفقًا لمراقبين مطلعين على الوضع!
أما في أثيوبيا، فقد اضطرت السلطات الاثيوبية إلى حجب الدخول للإنترنت في أنحاء البلاد خلال فترة الامتحانات لمنع تسرب الامتحانات من خلالها!
إن الغش والخداع الأكاديمي بين الطلاب أصبحا ظاهرة تربوية، لكونهما أصبحا مقبولين وممارسين على نطاق واسع. ومع الأسف اكتسبا أيضا شرعية للاعتقاد بأن «الغاية تبرر الوسيلة». والحقيقة، لا يكثر الغش إلا عندما تكون البيئة فوضوية، بيئة فيها المزيد من علامات السلوك المنحرف اجتماعيًا. إن الزيادة في أعداد الطلاب الذين يغشون تظهر آثارها الضارة على المجتمع آجلا أم عاجلا.
فللغش تأثير سلبي في شخصية الطالب، لأنه يصبح جزءا من عقليته التى يحملها معه في بيته ومكان عمله لاحقا. والطلاب «الغشاشون» غير الأمناء في عملهم الأكاديمي، تتكون لديهم شخصية غير أخلاقية ونظام للقيم يسري عليهم في جميع جوانب الحياة. الطلاب الذين يغشون في المدرسة، يغشون خارج الفصل الدراسي وفي عالم العمل بعد التخرج. لذا ليس بمستغرب ما يحصل من انتشار للفساد في أجهزة الدولة، من فساد مالي وإداري ورشاوى وواسطات وتزوير بالكشوفات ومحسوبيات واختلاسات وتوزيع هدايا من شاليهات وأراضٍ ومزارع وتبييض أموال.. وغيرها؛ فالدولة ركزت على التعليم، ونسيت التربية للأسف!
وهنا لا يسعنا إلا أن نذكر اللوحة التي وضعها أحد الأساتذة الجامعيين في جنوب أفريقيا عند مدخل الكلية وكتب عليها: إن تدمير أي أمة لا يحتاج إلى قنابل نووية أو صواريخ بعيدة المدى، بل يحتاج إلى السماح للطلبة «بالغش»؛ لأن انهيار الأمة من انهيار التعليم.